جاءت انتخابات ملكة جمال فرنسا، أول من أمس، مثل «رمية من غير رامٍ» في خضمّ الحديث عن الهوية الفرنسية، ومسألة بناء المساجد وتأجيج المشاعر حول «الإسلاموفوبيا» واندماج الأجيال المهاجرة في المجتمع الفرنسي، وخصوصاً أنه للمرة الأولى جرى الانتخاب «مباشرةً من المواطنين» خارج إطار المساومات داخل لجان الفحص. وتوّجت النتيجة مليكة مينار (٢٢ سنة) من مدينة كآن (شمال غرب فرنسا) أول ملكة جمال لفرنسا من أصول مغاربية.
وكان الجمهور حتى الأمس القريب يتقاسم التصويت لملكة جمال فرنسا بنسبة 50 في المئة مع لجنة تحكيم مؤلفة من مشاهير، مما كان يثير الكثير من الاعتراضات سنوياً، ولا سيّما أن العام الماضي جرى انتخاب الفرنسية ـــــ الأميركية كلويه مورتو نتيجة تصويت لجنة التحكيم، مع أنها احتلت المرتبة الرابعة بتصويت الجمهور.
ورغم أن الرابط المباشر بين التصويت الشعبي والتطورات الاجتماعية السياسيّة في فرنسا لا يبدو جلياً، فإنه يصبح منيراً وسط العواصف التي أثارتها دعوة الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي إلى التفكير في «الهويّة الوطنية الفرنسية»، والتساؤل عن «من هو فرنسي»؛ فقد أعطى تصويت «الشعب الفرنسي» عبر مجمل وسائط التواصل الحديثة مليكة ٣٤ في المئة من الأصوات، من بين المتسابقات الخمس اللواتي وصلن إلى نهائي المسابقة.
وحلّت مليكة، ذات الشعر الداكن الطويل، والعينين الزرقاوين السماويّتين، أولى أمام ممثلة منطقة رون ألب في الجنوب، التي حصلت على ٢١ في المئة، وذلك بحضور عمدة عاصمتها، وزير الصناعة كريستيان أستروزي، الذي كان قد صرح قبل يومين بأنه لن يقبل بناء مآذن في مدينته، مبرّراً ذلك بأنها «غريبة عن الفن المعماري الفرنسي».
وسبق لفرنسا أن انتخبت ملكات جمال من أصول أفريقية أتين من مقاطعات ما وراء البحار، لكنها المرة الأولى التي تُنتخب فيها «جميلة من أصول مغاربية»، وهي طالبة سنة ثالثة في كلية حقوق مدينتها وتطمح لممارسة مهنة الصحافة.
والمعروف عن منطقة «النورماندي»، حيث مدينة كآن (Caen)، أنها ضاحية باريس البعيدة، حيث يلجأ الباريسيون إلى شواطئها ومنتجع دوفيل، الذي خلّدته أفلام سينمائية. إلا أنها أيضاً «ضاحية الشمال العمالي»، حيث سعت أعداد كبيرة من المهاجرين إلى العمل في مراكز الصناعات الثقيلة ومعامل النسيج إبّان مرحلة ما بعد الحرب، قبل أن يدخل النمط الصناعي إلى تلك المناطق في مرحلة ركود كبرى، كانت ضحيتها الأولى الجاليات المهاجرة، التي جاهد قسم منها من أجل تعليم أجياله الصاعدة، بينما سقط قسم آخر في فخ الانطواء على النفس وعلى طائفته، وهو ما يفسر وجود عدد كبير من الناشطين الأصوليين في مقاطعات الشمال، التي تتشاطر الحدود من بلجيكا.
مليكة مثلها مثل العديد من الجيل الثالث، إن لم يكن الرابع، هي وليدة القسم الأول الذي اندمج في المجتمع، وأخذ طريق التعليم مدخلاً للانصهار والابتعاد عن «الانطوائية»، ولكنها ليست مثالاً فريداً. فالمجتمع الفرنسي يضم مئات الآلاف من الذين انصهروا حتى من دون «التميّز الإيجابي» الذي ينادي به ساركوزي. أعدادٌ متزايدة من متخرّجي الجامعات، وحاملو الشهادات هم من أصول عربية ومهاجرة، ولكنهم كما يقول أحد الناشطين ليسوا «ملتحين ولا يزالون في الشوارع، إلا أنهم يمثّلون الأكثرية الصامتة في الجالية الإسلامية».
أفضل برهان هو مكتب التوظيفات «موزاييك للثروة البشرية»، الذي أسسه أليكس هويفيت. هويفيت دعا يوم الجمعة الماضية مسؤولي اختيار الموظفين الجدد في أكبر الشركات الفرنسية إلى اختيار «موظفي الغد» كما يقول، وقد حضر ممثلون عن معظم الشركات المدعوة مثل أريفا (صناعة نووية) ولوريال (مساحيق تجميل وعطورات) وسويز (غاز ونفط) وكاب جيميني (برامج كومبيوتر وهندسة اقتصادية)، وما شابه لـ «تقاسم» عروض سير ذاتية لنحو ١٣٠ شاباً وشابّة من الجيل الثالث من متخرّجي السنة الماضية، ومن سكان الضواحي. ويقول هوفيت «في شركتنا لا نؤمن بالتميّز الإيجابي بل على العكس علينا أن نقول إن هؤلاء الشباب والشابات فرنسيون، ولديهم الكفاءات المطلوبة، وعلى الشركات الكبرى أن تلبّي حاجتها الاقتصادية، وأن ترى مصلحتها». ويضيف «حضورهم اليوم يدل إن لزم الأمر على أن الأجيال الجديدة قد انصهرت، واستفادت من المصعد الاجتماعي الذي هو محرك المجتمع الفرنسي». بعض الباحثين عن العمل، وإن كانوا يشاركون هوفيت تفاؤله، فهم لا يُخفون أنهم يتعرّضون يومياً لضعوط بسبب أصولهم، وهو ما يؤكده إحصاء صدر قبل أسبوع، وفيه أن ٦٨ في المئة من العاملين في مجال التوظيف والثروات الإنسانية يعتقدون بأن متخرّجي الأحياء الفقيرة «يتحمّلون بصعوبة الخضوع للسلطة داخل الشركات» و٥٨ في المئة لديهم «مشكلة في الاندماج»، إلا أن الجميع يتفق على أن «تأجيج الحديث عن الإسلام من حين لآخر» يفاقم الخوف من «أبناء المهاجرين عموماً ومن أبناء الضاحية خصوصاً».
والحديث عن الإسلام والمسلمين، الذي، ويا للصدف، يتحرك دائماً قبل كل فاصل انتخابي، يستفيد منه اليمين لتأجيج الخوف بين الناخبين، بينما يقبع اليسار مرتبكاً متردّداً بين السعي وراء أصوات عمّال ينزلقون نحو «تطرّف وطني» بسبب فقدان فرص العمل، يدفعهم في أحضان اليمين، وبين إعلان صريح لمبادئ الجمهورية العادلة والمساوية بين مواطنيها، متناسياً أن «مسلمي فرنسا الـ ٦ ملايين» هم مواطنون فرنسيّون، مثل مليكة ملكة جمال فرنسا لعام ٢٠١٠، عام الانتخابات الإقليمية.
بنوته
واوووووو روعه وملامحها عربيه شوي